يريد النجاح والتفوق عليه ان يبتعد عن نقيضيهما (الفشل والرضا بالدون)، وفي أحيان كثيرة لا يعرف المعنى إلا بضده "فبضدها تتميز الاشياء" ، ولا يعرف النجاح ويقدر قيمته من لم يكتو بنار الإخفاق ويتجرع مرارة الحرمان، وكما يقال فإن
الجيد عدو الممتاز ومن رضي بنجاح عادي في الحياة في الغالب لا يمكن أن يرفع رأسه لأعلى ويتطلع إلى النبوغ والتمييز.
وفي هذه الزاوية سنركز ــ بحول الله ــ على قيود النجاح أو أسباب الفشل التي تجعل المرء لا يرى أبعد من أنفه ويعمى أن يبصر موطأ قدمه.
وقبل التطرق إلى القيد الأول الذي سيكون محور المعالجة نؤكد على أن الصلة بالله والثقة في عونه ولطفه والتفاؤل بمعيته المفتاح الأول والأخير للنجاح، وبالتالي فإن اتباع الهوى والسقوط في مهاوي الشيطان وشركه والخلود إلى الأرض والراحة كلها من أكثر ما يشل قدرة المرء ويكبله عن تحقيق النجاح.
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده
والآن هيا بنا إلى القيد الأول من قيود النجاح وهو ما يمكن تسميته بالقناعات السلبية والتي تتحول لدى البعض إلى "اكليشهات " جاهزة من قبيل لا يمكن لي أن اتفوق.. وأنى لي أن أكون مثل فلان أو علان ؟ ومن لي بحفظ أو فهم فلان أو فلانة... وغيرها من كلمات تنضح بتدني تقدير الذات وتنم عن قدر كبير من ضعف الثقة في النفس، ومالم تتغير هذه القناعات التي تقف على ساق راسخة وجذور قوية قد تمتد إلى سنوات التنشئة الاجتماعية الأولى وتتحول إلى قناعات إيجابية من قبيل: أنا أستطيع.. أنا قادر بإذن الله على أن أحرز التفوق وأنا أهل لذلك.
والمثل الاسباني يقول إنك لن تبني قصورك على الأرض مالم تشيدها في الهواء أي في الخيال، فحقائق اليوم –كما يقال – هي أحلام الأمس، وإنجازات الغد هي أحلام اليوم.
إن المبالغة في الاعتقاد بأن النجاح شاق وعسير وثمنه باهظ، وفاتورته غالية من شأنه أن يدفع بالمرء إلى السلبية والقعود الذي وصفه معروف الرصافي بالحرام :
زاحم فميدان الحياة زحام *** وأعمل تنل إن القعود حرام
فالسابقون السابقون تسنموا *** هام العلا والقاعدون رغام
وهذا لا يعني التهوين من قيمة العمل والعرق في إحراز النجاح والركون إلى الأحلام والأماني وإنما المقصود به أن على المرء استفراغ الجهد والعمل بأقصى ما يستطيع ثم ترك النتائج على الله.
على المرء ان يسعى ويبذل جهد *** وليس عليه ان يساعده الدهر
وهذا السعي هو الذي يعنيه الشاعر الآخر عندما يقول:
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه *** فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
إن من الأخطاء الشائعة قصر الذكاء على عدم سرعة الفهم والقدرة الفائقة على استظهار النصوص رغم أن مستويات الذكاء متعددة فهناك الذكاء الحركي واللفظي والعاطفي والمهاراتي والإبداعي ..الخ ومن النادر أن نجد شخصا ليس لديه استعداد لواحد أو أكثر من هذه المستويات.
من تلك القناعات أن الذكاء إرث فطري وليس مكتسبا، والواقع أنه يتطور وينمو بالممارسة والتدريب ويتراجع بالإهمال والركون إلى الواقع والرضا بالدون، فالقناعات هي تعميمات تشكلت من خلال تجارب ماضية متداخلة لرسم صورة أنفسنا وردود أفعالنا، فمن اعتقد أنه ضعيف الذاكرة بسبب مواقف ماضية مرت عليه ستكون ردة فعله إذا طلب منه الحفظ بأنه يستحيل عليه ذلك.
ومن هنا كان المعتقد السلبي للذات يقيد قدراتك ويحبس إمكانياتك ويشل حركتك، وهو أخطر القيود وأكثرها حاجة للعلاج والترويض حتى تنفلت القدرات من عقالها ويدرك المرء قيمة نفسه.
يقول ابن القيم "مبدأ كل علم أو عمل الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات والتصورات تدعوا للإرادات والإرادات تقتضي وقوع الفعل"
ختاما رحم الله امرءا عرف قدر نفسه فأحلها المكان الأسمى والموضع الأشرف الذي يليق بها وهي التي كرمها الله تعالى وشرفها وأمرها بأن لا ترضى بالدون أو تقبل بالإهانة والخسف .
وهل عدم التوق إلى التفوق سوى رضى بالدون ؟؟!!