"البداع" ولد حمودي: الشاعر كان يؤدي دور الصحفي في المجتمع

خميس, 02/19/2015 - 00:54

أمة ميراثها الثقافي الخاص الذي يمثل بالنسبة لها عامل تميز وتنوع واختلاف مع غيرها من الشعوب الأخرى، و في مجتمعنا الموريتاني تختلف صور الموروث الشعبي ، وتبرز فنون مختلفة من بينها ما يعرف بالشعر الحساني (لغن) الذي يمثل أحد أكبر روافد الإبداع الأدبي إنتاجا وتداولا،

ولئن كان العربي يسمي موريتانيا بلد المليون شاعر، فإنه لو تأمل هذا الجانب واطلع على مادته لما تردد في أن يضيف إلى مليون الشعراء مليونا آخر من "لمغنيين" تباينت جهاتهم وتفاوتت أعمارهم.

 

جمعية الفتاة التقت بواحد من المليون رضع لبان "لغن" وشب على حبه وتعاطيه، وولع بحفظه وقرضه مما أهله لإحراز مراتب عليا في المنافسة الشعرية الحسانية انتهت بحصوله على المركز الثاني في برنامج "البداع" المحلي ضمن نسخته الثانية، ذلك هو ضيفنا في هذه المقابلة الأديب: السالك فال ولد حمودي.

 

نص المقابلة:

ــــــــــــــــــــ

 

الفتاة: كيف تريدون أن تقدموا أنفسكم للقارئ ؟

 

السالك فال:  بداية أشكر جمعية الفتاة على إتاحة هذه الفرصة لنتحدث لهوات هذا المجال الأدبي عن بعض جوانبه.

أنا مواطن موريتاني من هواة الأدب الحساني ، من مواليد الحوض الشرقي ، أدعى  محمد الأمين ولد حمودي في الأوراق المدنية، وبين زملائي  وأهلي أدعى: السالك فال.

الفتاة: كيف كانت رحلتكم مع  برنامج "البداع" ؟

السالك فال: رحلتي مع "البداع" ليست رحلة مبتورة، فقد كنت أهوى الشعر الحساني منذ نعومة أظافري ــ إن لم أقل من الولادة ــ وزادني في ذلك أن قرأت نصوصه وحدث احتكاك بيني وبين بعض أعلامه، ولاحظت في هذا الفن بعد ذلك قدرته على الولوج إلى النفوس والتعبير عن شتى جوانب الحياة توجيها وإمتاعا، وقد شاء الله أن أشارك في الموسم الثاني من برنامج "البداع"، حيث قرأت لهم النص الأول عبر الهاتف وأنا إذ ذاك في مدينة النعمة (عاصمة الحوض الشرقي) وهو نص طللي أقول فيه :

خَدْ النَّعْمَهْ ذَا ألي أَحْشِيشْ            مَنْ كَبْلَه كَدْ الْبَاطَـــــنْ فَأَخْلَاكِي

قَاطَنْ وآمْرِيشْ                            وَأَمْبَلْكَاتْ ءُ لَمْحَاضَنْ

والجنكه زينه وأظهر             من كيف أن أعليه أنظهر

  جات لمراحل وأنجهر            حاس فيه ء ج قاطن

عندو ذا الخلق ء منقهر           عاد أعليه  ء مواطن

والنعمه زين حد جر               عين من تيلباطن

لعليبات ء شاف أصدر            من سهوت تيكماطن

وأحدج لحمار من الصدر          يفطن لو عاد أل فاطن

هاذ زين ء لا ينجبر              يغير أل اليوم أل شاطنْ

 

بعد ذلك اتصلوا بي وأخبروني أنني من بين المجازين، وكانت أول مشاركة لي أمام لجنة التحكيم هي عبارة عن طلعتين من "لبتيت التام"  "مظايرات"  أعل الكاف :

 

أحسي الغبره كابظ عاد           نصيب أمن أخلاكي وإصيب

بعد أحسي الغبره عن زاد       أمن أخلاكي يكبظ نصيب

ومنها:

لاحكن نكبظ عت  أطريق         ملان وأنكلل ف أزريك

لخلاك أعل شي ماه سيك         وأنول مزت أكرييب

راص يور فيه أتزاريك           كذ كذ عاد أمن الشيب

وأكشاشيح طلع وأركيك          نبات من فوك ء ذا عيب

وأمع ذا فر من أتلاحيك          الأخبار أعلي زاد أعطيب

أحسي الغبره.....

 

 

الفتاة:  ماهي المدرسة الأدبية  التي تنتمون إليها، وما أبرز خصائص ؟

 

السالك فال:  أنا أتنمي لمدرسة الحوض، وهي مدرسة معروفة أنجبت العديد من الأدباء و "لمغنين" ، وللتنبيه هناك فرق بين الأديب و "لمغني"،  فالأديب هو ذلك الشخص الذي يمتلك القدرة على توظيف فنه على الوجه الذي يريد دون إثارة السامع ودون المساس بالقيم والعادات مع مراعاة طبيعة المجلس الموريتاني الذي يضم فئات عمرية متفاوتة، على عكس "المغني" الذي لا يحسن التعامل مع الكلمة بما يتناسب مع قيم المجتمع المحتشم.

ومن أبرز سمات مدرسة الحوض تركيز أدبائها على غرض البكاء على الأطلال، وهو توجه أثمر نتيجتين، إحداهما تخليد مواضع الوطن، والثاني تبصير الزائر الغريب عليها بطبيعتها وتاريخها وخصائصها الجغرافية والجمالية... زمن أمثلة ذلك قول الأديب محمد المختار ولد أمحيمد:

مشي الراقـب سهـو أقربــــــاي           يالبــال أوعــدلك تـيـــــــــــززاي

كــوردالـه  تم أل جــــــــــــاي           عنه ساحــــــل طـــاح ء لا طـــاح

والكيعــه من ذاك الحمـــــــاي            ليــن أحــفــــوه فـم أصـــفـــــــاح

أعليهم تركب وأشـــــــــــلاي             شوف الظـلـعــه  مـن فـم  صــاح

ء حد من الظلعه شك ء شـاي             وأمش ليـن أمن  الظـلـعــه   راح

إر  فـم أخـيـام  أهـل الشـيـــن            لاه إكـيـلـهــــم مــاه  شـــــــــــاح

ء  يـدرك زاد الحـيــوان إليـن            إبـكـر مـزال في لمــــــــــــــراح

فهذا الوصف الدقيق لم يترك للسامع عذرا في أن يضيع المكان ، فمن لا يعرف المكان و "أنطرحت لو ذي الماره"  باستطاعته أن يهتدي بسهولة.

 

 

الفتاة: ألفتم كتابا بعنوان "توظيف المعاني في الشعر الحساني" ماهي الغاية العلمية من هذا التأليف ؟

 

السالك فال:  في تراثنا المحلي يزخر الملفوظ الحساني بالكثير من الأمثلة الحسانية ذات الدلالات المختلفة ، وقد تفطن بعض الأدباء لهذه القيمة فقاموا بتوظيف بعض معاني وألفاظ الأمثال الحسانية في نصوصهم، وقد قمت في هذا الكتاب بجمع بعض النماذج المختلفة من هذا اللون ، وذلك للمساهمة في ترسيخ المثل الحساني وحفظه من جهة، وللتنبيه إلى الوظيفة الجمالية التي يضفيها المثل الحساني على النص اللهجي من جهة ثانية. ومن أمثلة هذا النوع قول أحدهم:

أول نامس خالك موجـــــــود           لاحك كان أف بالي لحــدود

ريت في الشارع مري كــود           ما كــان أعــل بــال ء دزن

وأتلب هاك ء كام إلــــــــود            وأتل بأكــلام إعجــــــــزن

وألحك دار أهل في المعهود           ء تم الحزم ألا يكحـــــــزن

وأطلع من سابك ملكــــــان            وأطلعت آن فأقص حـــزن

ء نكز عن و أبـكــيـــت آن            "يا من طلعن نكــــــــــزن"

وغالبا ما يأتي المثل في آخر "الكاف" أو "الطلعة" (في التافلويت الأخيرة).

 

 

الفتاة: هل للمرأة حضور في منتوجكم الحساني  (توجيها أوتهجما أو ذودا) ؟

 

طلبوا مني مرة أن أدلي بمشاركة في عيد المرأة ، فقمت بكتابة نشيد للمرأة هو عبارة عن "أطلع" من لبتيت الناقص أردت فيها أن أوضح حق المرأة في المشاركة في الحياة دون المساس بحاجز القيم ، أقول فيها:

زَيْنْ أَلْ لَمْرَهْ وَ أَمْكَـــادْ               لا حَظْرَتْ في التَّنْبِيـــــــهْ

لُوطَـــنـــْـــــهَ وَأَلِّ زَاْد َ               كَاَنتْ بِيهْ أَتَمْ بِيــــــــــــهْ

 

وَأَتْكَدْ أَبْحَمَاسَـــــــــــــهْ               هَاكْ أَمْعَ لَكْيَاسَــــــــــــهْ

تَدْخَلْ فَي السِّيَاسَــــــــهْ               لأجل الْوَطْنْ ءُ تَحْمِيـــــهْ

للشعـب ء  يـتـواســـــه               هـاذ  لـيـن  أتـواســيـــــه

زين أل لمره وأمكاد .....

 

لمره دون أنــــــــزلاق             زين أعليه تـنـســــــــــــاق

للواقع وانــطــــــــلاق             واجب فيه أتوديــــــــــــــه

باحتفاظ أب لخــــلاق              والدين  ء  ذا توجـيـــــــــه

زين أل لمره وأمكاد .....

 

 

الفتاة:  في نظركم ما مدى عكس الأديب لواقعه، وكيف ينبغي أن يتجلى ذلك ؟

 

السالك فال:  أنا أظن أن رسالة الأدب قد تراجعت وتتراجع مع مرور الأيام، فالأديب في السابق كان يؤدي دور الصحفي في المجتمع، حيث إنه يقوم بوظيفة الإيصال ويسعى لربط المجتمعات، فكم من ملمة أعيت الأمراء والكبراء ولم يوجد لحلها غير الأدب، ذلك أن شفاعة الأديب لا ترد وطلبه لا يرفضه ومكانته عند الناس عظيمة رفيعة، يفعل العجائب بكلمات موزونة يطلقها بين الناس ، بالإضافة إلى فشو الأخلاق الحميدة في الوسط الأدبي حينها، حيث كان الأدباء يتحلون بأخلاق عالية تجعلهم أناسا محببين إلى الجميع، أما اليوم فقد تراجع ذلك ــ في نظري ـ كتراجع غيره من مظاهر وعادات السلف.

 

 

الفتاة:   هل هناك سلم للترتيب الإبداعي في الأدب الحساني (لغن) ، وما هي محطاته ومراتبه ؟

 

السالك فال:  "لغن" فيه مراتب مختلفة، فهناك "الكوال" أو "الكياف" وهو الذي يقول "كافا" عاديا لا تتوفر فيه غالبا شروط  "الوزن" الشكلية والمضمونية ، ثم "الوزان"  وهو أقدر من "الكياف" لكنه يفتقر غالبا إلى إحكام الوزن والمعاني (الحبكة الفنية)، بحيث تفتقر معانيه للتسلسل والترابط.،  ثم  "البداع"  ــ وهي ليست الرتبة الأعلى في سلم "لغن" كما يظن البعض ممن يجعلون "البدع" أعلى مراتب "لغن" أو كما التلفزة في برنامجها "البداع" الذي ظنته قمة الإبداع الأدبي الحساني ــ ، ثم بعد ذلك "لمغني" وهو الذي  يحسن توظيف المعاني ويحكم الوزن، لكنه لا يجيد التعبير المتزن، إذا تغزل صرح، وإذا هجى فضح... ، ثم بعد ذلك نصل إلى أعلى رتبة في سلم الإبداع الحساني وهي "الأديب" وهو الذي يجيد القول ويحسن التعبير  حتى يكون أدبه صالحا لكل فئة وبيئة (ما يفرك الجماعة).

 

 

الفتاة:  يمتاز النص الشعري العربي بخصائص فنية معروفة باتت مصدر جودة وتميز فيه، هل للنص الحساني خصائص فنية معينة وماهي علامة الجودة فيه؟

 

السالك فال: هناك خصائص فنية عديدة في الأدب الحساني، وسأقف هنا عند خاصيتين فنيتين بارزتين إحداهما تسمى "أخروج" في "لغن" ، والأخرى يقال لها  " تدخال لكلادة " أو "الردف" في النص. ومن أمثلة "أخروج" قول أحدهم:

حفظ اللغة حكـ أن زين               لولاد الناس المعلومين

وحد اليوم أحفظ فرض العين        أفراص يظهرلو  مزاه

وان بعد  ء لاه تبيين                 بأعلن عندي شي ندراه

كطيت أحفظت أعل محفوظ         شي  من الفقه  ء  نعرف معناه

وعندي رقم أمل محفوظ            في الراص  أل حد أمن إلاه

 

أما "الردف" فمن أمثلته قول أحدهم:

 

فكدي  لك  لول ماه زل         جان منك ممشاك تل

وأمنين أعرفت أعلاش ذل     أنسيت و أتعداني

و أعكبت  أمنين أمجيك حل     جان فقد أوخر ثاني

ء فكدك ذا اليوم أبدون حد      ألا يولف جاني

ما جاني وأعرف كل حد         عن جاني مجاني

 

فالشاعر هنا يخلط بين الجناس و "الردف". وهي خاصية كثيرة الورود في أدبنا الحساني.