لكل واحد منا خزانة في ذاكرته قد وضعها في مكان قريب لأنه يحتاج إلى الرجوع إليها دائما ، وفي تلك الخزانة لابد من وجود رف خاص عن بقية الرفوف مطلي بلون مميز ، على ذلك الرف توجد ملفات مرتبة يحمل كل ملف منها قصة جميلة كان لها الفضل في تغيير سلوك سيئ أو زرع خلق طيب ... و على رفي #الأخضر أضع ملفي الخاص الذي يحوي قصة عطرة كانت كالبرزخ الذي يفصل بين الماء المالح والماء العذب ، بين الحياة التافهة والحياة الهادفة ...
بدأت القصة يوم أن رأيتها كانت أول مرة حيث لمحتها عن بعد ، لقد كانت مستقيمة في مشيتها محتشمة بحجابها ، كانت هادئة تعلو وجهها ابتسامة مع بعض الهيبة ، من رآها لا يمكنه إلا أن يحترمها ،لا يمكنه إلا أن يدعو لها سرا ...تبدو رزينة ، و ما شد انتباهي أكثر هو تلك الثقة التي تشع من أعينها وذلك الحماس الذي كان من نوع خاص .
و كعادته أرغمني فضولي الشديد على فهم ما استغربه عقلي المتواضع ودفعتني تلك الرغبة الجامحة لكشف سر تلك الفتاة ، مرت الأيام و أنا أراقبها عن بعد أحيانا و أحيانا أخرى أقترب منها أكثر لأستمع لحديثها و لمحاضراتها التي كانت الملجأ للكثيرات من بنات جنسي اللواتي يبحثن عن الراحة النفسية و عن الأمان الداخلي الذي لا يمكن إيجاده إلا في مثل هذه المجالس . كانت دائما تحاول الإقتراب مني و تظهرلي اهتماما خاص عن البقية ، لم أمانع و لم أرفض ذلك الإهتمام لرغبتي في معرفة ما تخفيه تلك الفتاة ، بعد مدة قاربت السنة من علاقتي بها وبعد محادثات كثيرة استطعت أخيرا معرفة ذلك الشيئ الذي قرأته في عينيها .. أجل لقد تمكنت أخيرا من فهم سبب ذلك الحماس ، تلك الثقة ، ذلك العمل الدؤوب إنه الإيمان الراسخ بفكرة لامست روحها ، يقين بها جعلها تبذل الغالي و الرخيص في سبيل تحقيقها ،نعم هي فهمت أنها ليست فتاة عادية ، ليست مجرد أنثى ، لقد استوعبت الحكمة من وجودها ، لقد أدركت أن عليها واجب كبير هو واجب النهوض بهذه الأمة فتحركت ...عملت ...بذلت ...اكتشفت مواهبها فسخرتها للوصول لهدفها المنشود لوضع بصمة أو خطوة في سبيل الرجوع بأمتها نحو المجد من جديد ...لا يمكنني أن أنسى تلك الجملة التي قالتها لي يوما والتي مازلت أذكرها جيدا " رقية أمتك تناديك فلبي النداء " ...كان لصدى هذه الجملة أثر كبير رسم لحياتي طريقا جديدا فجزاها الله خيرا عني وتقبل منها و أثابها بذلك جنة الخلد ...
أمتي تحتاجني ...و هي أيضا تحتاجك أنت أيضا و تناديك فلبي النداء ...