قمة الرقي الفكري والأدبي وألق الجمال الإنساني، وانسجام العقل والروح؛ حين ينكب الإنسان قارئا على ذلك السر الإلهي المودع من عجائب الحياة وأسرارها ما جعل آخر خطاب إلهي موجه لأبناء الإنسانية يبدأ بالأمر به..
يبدأ بالرجوع للحرف المكتوب المكون للكلمات المكتوبة المدونة لتاريخ البشر؛ المستوعبة لبدائع صنائع العقول.
..إنها أعظم إلهامات الخالق، وأجل اكتشافات المخلوق؛ إنها الكتابة: ماء حياة العقول، ونفس الأرواح؛ حين لا تخالطها ركاكة أو إسفاف أو قبح، حين تعبر عن الإنسان، حين تحمل الفكر النير بالأسلوب الناصع.
تكون الكتابة "كتابة" عندما تحمل هم الوطن، وترسمه في القلوب وطنا رفيع القدر، وارف الظلال، جامعا لبنيه حانيا عليهم هم أعظم ثرواته، ومن أجله ثوراتهم وأولها ثورتهم على أنفسهم من أجله.
تكون الكتابة كتابة؛ حين يصدق الكاتب فلا يتزلف أو يتملق ولا يجعل الحرف حرفة يتكفف بها الساسة.. حين يؤسس بها قواعد الانتماء والوفاء للوطن ليوضح له أسس البناء..
لا يكون الكاتب كاتبا إلا عندما يسكن هم أخيه الإنسان قلبه ويملأ وجدانه؛ فيئن كلما تأوه متأوه.. ويسيل قلمه دمعا كلما رأى من مشاهد الإنسانية المعذبة ما يستعبر له، فيبكي ويستبكي أصحاب القلوب الحية والمشاعر الصادقة.
لا يكون الكاتب كاتبا إذا نسي قدر الإنسان فعظمه وقدره قارئا لكلماته؛ فاحترم دينه وعقله وعلمه، وجعل قدره فوق قدر نفسه، فلم تكن كتابته صفرا من البرهان للعقول، ولم تكن جوقة تؤلفها الحروف.
..رحيلك خير لك يا مدعي الكتابة حين تجانب ما سبق، حين لا تعرف قدر ما تكتب.. حين لا تنير العقول، وتطمئن القلوب بجمال كلماتك.
.. رحيلك أيها الكاتب عن دنيا الكتابة خير لك؛ حين لا تتقن ترابط الأفكار، وابتكار المعاني، وتأليف الكلمات.
رحيلك خير لك حين لا تجد في نفسك بوصلة تهديك معالم الكتابة؛ فتقيك وهاد الإسفاف، ومهامه الركاكة.
ارحل أيها الكاذب في ما تكتب، فحين لم تصن نفسك صن الكتابة فهي أبقى منك وأرقى.
اقرأ أيها الكاتب قبل أن تكتب، واقرأ وامتثل فاتحة آخر خطاب إلهي موجه لبني الإنسان.
الهادي بن المنير بن الطلبه
