الشباب والانحراف.. مقاربة تحليلية

خميس, 02/19/2015 - 20:51

الشباب.. دوره .. وزنه .. بالنسبة لأي شعب أو أمة ،مكانه في قاطرة النهضة ، كلها عناوين وأبواب لنقاشات لا تتوقف بين مدارس متنوعة ومشارب فكرية متفقة في جوهرية الدور وإن اختلفت حول نمط الانتشال من مزالق الانحراف عن وجهته الريادية .

وهنا لا يمكن لأحد أن يجادل أو يشكك في وحدة محطة الوصول ، فمهما تجولنا في عالمنا الإسلامي فلن نجد اتجاها إلا وبغيته التقدم والتميز لأمتنا وإن تعددت النظريات والآراء . فهل مازالت كل الطرق تؤدي إلى روما ؟ لا أظن .. بل أعتقد أن بعض الطرق قد تلتف التفافا خطيرا ليفاجأ سالكها بأنه عاد إلى نقطة الصفر، هذا إن لم يرجع محملا بنتائج سلبية كان في غنى عنها.

هذا التباين في الطرح والتناول منشأه الاختلاف حول تشخيص وعلاج الانحراف كظاهرة‘ والذي يعني الخروج عن الخط والميل عنه وهو من المعاني الملازمة للحركة والسير، فلا ينحرف من كان واقفا جامدا في مكانه ، وبقدر زاوية الانحراف تتحدد النهايات والنتائج.

إن الوعي بالانحراف كظاهرة لها جذورها وتحدياتها أمر لا مناص لتشخيص المشكل واشتقاق الحلول المناسبة له، في ظل واقع متغير يعيد اليوم تشكيل مرتكزاته و أبجدياته في عصر الثورات الشبابية.

إن حصر مظاهر الانحراف الشبابي شيء يقارب الاستحالة نظرا لما يطبعها من تجدد وتنوع ‘لكن التحليل الفاحص لانعكاساتها في الساحات لا بد أن يجد من خلاله بؤرا تشكل مدارات متعددة لهذه الظواهر، فرؤية الشاب لحياته، غاياتها  وطريقة عيشها وعلاقته بالأجيال ، ومكانة بعض المعاني الكبرى في وجدانه كالوطن والتاريخ والمستقبل، وعلاقته بالمجتمع وبالجنس الآخر ، كل هذه مجالات تفرز سيلا جارفا من الممارسات والمسلكيات.

 ونجد هنا في هذه المقاربة التي تؤسس لتحديد البؤر من خلال تشخيص دقيق يقدم حلولا جذرية وفعالة ويجافي المسكنات العرضية والآنية التي لا تأتي بنتائج استراتيجية.
 فعلى سبيل المثال تعتبر فوضى اختلاط المفاهيم بؤرة يدور في فلكها عدد غير محدد من مظاهر انفصام بعض الشباب عن واقعهم وتاريخهم وثقافتهم، وهي فوضى تضيع خلالها نقاط التقاء الأجيال سلفا بخلف ليصير الحال إلى تقوقع كل طرف على ذاته مع كثير من الأحكام أحادية الجانب في متتالية من الأفعال وردود الأفعال تفتقر إلى الحكمة والعمق الكافي.
 

 

ولئن كان بعض الدارسين لتطور الظاهرة وأسبابها يرجعها إلى تراجع دور الأسرة التي هي الحاضنة الأولى والوحدة الأساسية في المجتمع، وانحسار دور المؤسسة التعليمية التي هي البيت الثاني بعد الأسرة ، فإن ثمة عاملين أساسيين يمكن أن نعتبرهما في ظل عصرنا الحالي أبرز مسببات استفحال هذه الظاهرة ، أحدهما يتعلق بالوسائط الإعلامية التي أصبحت جزءا من حياة  الشباب ،تساهم في جرفه عن سبيل الحق ومنبع الأخلاق وتأتي في مقدمة ذلك أغلب القنوات الفضائية التي تمثل ـ في حالة عدم تقنين المشاهدة ـ الخطر اليومي المداهم الذي يسكن البيت كفرد من أفراد الأسرة ويحتل أحيانا موقع المعلم لكل العادات الغربية السيئة التي يجتمع الصوت والصورة واللون على تشكيل رسالتها.

 

وبموازاة هذا العامل يلوح في الأفق عامل آخر لا يقل خطورة  هو مأزق الفراغ والبطالة حيث لا يتناسب هذان المظهران مع شريحة عمرية ممتلئة بالنشاط والحيوية والاندفاع  وحب الحياة  ويثبت الواقع أن هذين العاملين كانا سببا للعديد من الجرائم والجنح والجنايات والانحرافات خاصة إذا لم يكن الشباب من ذوي المهارات أو المواهب أو الاهتمامات الثقافية والعلمية.

 

وانطلاقا من هذا يجب أن لا نتساهل في تقدير الواقع الذي يعيشه الشباب ، وأن نعمق نظرنا في مشاكله ، كما أنه من الخطأ الفادح إساءة الظن بإيجابيات الشباب وعدم تحرير تفكيره وطاقاته، فهو المارد الذي إن صلح يمكن أن يقفز بأمتنا إلى مراحل متقدمة من الرقي والازدهار، فالعلم والحوار والتأطير والتثقيف وغرس القيم الإسلامية وتعميق الصلة بالجذور الثقافية والتاريخية أساسيات لا يمكن أن يخلو منها أي دواء لمثل هذه الظاهرة.

         

         بقلم الأستاذة : زينب بنت محمد يحيى