التسرب المدرسي بالطينطان.. الماهية والأسباب والعلاج

خميس, 02/19/2015 - 20:38

تعتبر ظاهرة التسرب المدرسي من أخطر الظواهر التي يعاني منها العالم بصورة عامة والثالث بصورة خاصة، ذلك أن هذي الظاهرة تؤثر بشكل سلبي على المستقبل العلمي للأجيال القادمة التي يتنظر منها الكثير والكثير.

وقد شغلت ظاهرة التسرب المدرسي حيزا كبيرا من وقت المهتمين بدراستها من أجل معرفة أسبابها الحقيقة ، وإيجاد حلول مناسبة لها كمحاولة للقضاء عليها أو الحد منها على الأقل.

ولعل مدينة الطينطان كمدينة تقع على جزء من جغرافية العالم الثالث وتحديدا "بلاد السيبة" قديما المسماة موريتاينا حديثا، قد بدأت تأخذ نصيبها -للأسف- من هذه الظاهرة البشرية التي لا تخدم المجتمعات ولا تقدمها

، خصوصا في ظل التطورات التكنولوجية التي تتخذ من ميدان العلم منطلقا لها.. سنتناول في هذا الموضوع - في الأسطر التالية- ماهية الظاهرة وأسبابها وعلاجها. 

أولا: التسرب المدرسي..الماهية والتعريف

إن الحديث عن أي ظاهرة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية يقتضي في البدء محاولة إيجاد تعريف لها أولا وقبل كل شيء، من أجل أن يعرف القارئ الموضوع الذي يراد الحكم عليه ، وذلك انطلاقا من القاعدة الأصولية التي تقول بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره..فكيف نحكم على ظاهرة لم تعرض بعد لتعريفها ولو قليلا؟.
إن ماهية ظاهرة التسرب المدرسي كظاهرة اجتماعية اختلف المهتمون بدراستها وأوردوا لها تعريفات مختلفة باختلاف تصورات أصحابها وحتى بلدانهم ، فبعضهم يعرفها بأنها:(هي ترك التلميذ للتعليم وانقطاعه الكلي عـن الدراسة والمدرسة والتعليم مما يشكل عبئا ثقيلا على المجتمع ،ويساهم بشكل آخـر في انتشار ظاهرة الأمية)، ويعرفها آخرونا بالقول:(ترك التلميذ للمدرسة قبل انهاء الصف السادس الابتدائي)، ورابع يرى أنها:(كل تلميذ ترك المدرسة قبل إكمال المرحلة المتوسطة)، وهناك رابع يقول:(كل تلميذ ترك المدرسة قبل إكمال المرحلة الثانوية).
أما اليونسيف فقد عرفتها في سنة 1992بــأنها:(عدم التحاق الاطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها دون اكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح ، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل اخرى، وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو اكثر).
أما التعريف الذي حصلنا عليه من طرف بعض المدرسين بمقاطعة الطينطان فيقول إنها:(هي الظاهرة التي تجعل التلميذ أو الطالب يفضل بشكل فعلي أو جزئي الوقوف في منتصف الطريق قبل تحقيق أي نتيجة".
وهذه التعريفات كلها تصب في معاني متقاربة وإن اختلفت ألفاظها".

ثانيا: أسباب الظــــــــــــاهرة
للتسرب المدرسي أسباب كثيرة تختلف باختلاف المحيط الاجتماعي الذي يعيشه الشخص محل الدراسة وكذالك إكراهات الواقع المختلفة. ذالك أن الواقع الذي يحكم منظومة الحياة ليس واقعا واحدا وحسب وإنما يتنوع بتنوع التلونات البشرية العرقية والأماكن الجغرافية. لكن حديثنا هنا سيختصر على أسباب التسرب المدرسي في مقاطعة الطينطان، وسنقسم الأسباب إلى نوعين:( أسباب عامة وأسباب خاصة):

              أ - أسباب عامة:
ومن أهم الأسباب العامة ما يلي:
    1- فشل إدارة المؤسسات التعليمية:
أول سبب من أسباب التسرب المدرسي في مقاطعة الطينطان هو فشل إدارة المؤسسات التعليمية في إدارة المؤسسة والطلاب. وهذا الفشل يتمثل في ضعف الرقابة وانعدام المتابعة من طرف الإدارة من طرف الإدارة.
فالتلميذ يعيش في واد والإدرة في واد آخر، وإن كان الأصل أن تكون الإدارة هي الموجه الأول للتلميذ داخل المؤسسة إن لم تكن الموجه الأول له داخلها وخارجها.

     2- ضعف الأداء وضآلة المادة التربوية:
السبب الثاني هو ضعف الأداء وضآلة المادة التربوية التي تقدم للتمليذ في مراحل تعليمه المختلفة، وهذا ذنب لا يغتف-في اعتقادي-. فما هو الدور الذي تقوم به المؤسسة التعليمية وخصوصا في مراحل التعليم الأساسي والثانوي؟ وما هي قيمة المادة التي تقدمها للتلميذ إن تكن تهدف أولا وأخيرا إلى تربية جيل قادر على تقويم نفسه إذا لم يكن قادرا على محاولة تقويم اعوجاج الآخرين وانتشالهم من براثين الضياع ، وخصوصا إذا كان المجتمع مسلما مائة في المائة؟.
أرى أنه لا قيمة ولا فائدة من مؤسساتنا التعليمية إن لم تكن تهدف لتكوين جيل قادر على إماطة الأذى عن وجه المنارة والرباط.
أما بخصوص ضعف الأداء فإن الدولة قبل المؤسسات التعليمية هي المسؤولة عنها بالدرجة الأساس، فهناك في مدينة الطينطان يلاحظ ضعف في الأداء، ذالك أن بعض الأساتذة يدرسون موادا لا تمد إلى تخصصهم بصلة ، وهذا ما يجعل التلميذ خارج السياق وبعده خارج دائرة الدراسة والتعليم.
ومن ما يؤسف له أن نظام الكفائات المعتمدة في تعليمنا الرسمي هو نظام يشجع على ضآلة المادة بصورة عامة، فهو"يهدف إلى تقليل المعلومة والتركيز على تعميقها في ذهن الطالب فتظهر في شكل حواري".
وهذا ما يجعل التلميذ يعيش في فراغ تام. وهنا أأكد أنه لا مانع من الشمولية والجمع بين المادة التفصيلة والتعميق بعدها، لأن التعميق يجب أن يأتي بعد مرحلة التفصيل أو الشرح الأولي.

      3- قلة اهتمام الأسرة بالأبناء:
أما السبب الثالث فهو ضعف الاهتمام بالأولاد من طرف الأسرة، ومن لمعلوم أن عدم المتابعة من طرف الأسرة يؤدي إلى التسرب المدرسي ضرورة ، ذلك أن التلميذ في تلك المرحلة ما يزال في حاجة إلى المتابعة من قبل الأهل لأنه لا يزال في مرحلة الطفولة أو المراهقة..وهي مراحل كلها يتعامل معها بالطريقة التي تناسبها وتصلح لها.

       4- ضعف الأسرة من الناحية المادية:
وهناك سبب رابع هو الضعف المادي الذي تعاني منه الكثير من الأسرة الموريتانية ، فقد نجد أسرة تهتم بدراسة أبنائها وتسهر على إعداد مستقبلهم لكنها لا تتوفر على الجانب المادي الذي يخدم التلميذ في تلك المرحلة وتوفر له حصصا إضافية يقوي بها مستواه الدراسي ويسد بها الثغرة التي يجدها في جدرا المادة التي تقدم له في مدرسته الأولى ، بالتالي قد يروح التلميذ أو الطالب ضحية ذاك العجز المادي الأسري فيهجر مقاعد الدراسة ويسلك طريق الجهل والتخلف الذي لا تحمد عقباه.

        5-غياب روابط آباء التلاميذ:

يعد غياب روابط آباء التلاميذ كشريك في إنجاح العملية التربوية بمقاطعة الطينطان سببا أساسيا من أسباب التسرب المدرسي، ذاك أن غياب روبط آباء التلاميذ يعني غياب دورهم عن العلمية التربوية وهو ما يؤدي إلى اختلال العملية التربوية. وهذا ما تعاني منه مقاطعة الطينطان، إذ لا توجد فيها روابط لآباء التلاميذ تساعد في إنجاح العملية التربوية.

         ب - أسباب خاصة بالبنات:
1-الزواج المبكر:
تعتبر ظاهرة الزواج من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التسرب المدرسي في مقاطعة الطينطان بالنسبة للبنات. ذلك أن اهتمام سكان المنطقة عامة-بالدراسة-والبنات خاصة غير كبير، ولو افترضنا أن البنات يهتمون بالدراسة فإن مرحلة الزواج دائما ما تفرض على النبت الانتقال من عالم الدراسة إلى عالم الزوجية والأمومة. ويتم ذلك إما عن طريق الزوج أو أهله نتيجة لطبيعة حياتهم ، أما البنت فهي لا تفهم الدراسة بعد تحقيق هذا الهدف الإجتماعي في نظر الكثيرين من ساكنة المنطقة.

2- ضعف المستوى الأخلاقي:
أما السبب الثاني فهو ضعف المستوى الأخلاقي لدى البنات ، ففي ظل العولمة الجارفة التي تجتاح العالم على اختلافه يعيش البنات واقعا متغيرا أحيانا ما يؤدى إلى ضعفهم في المستوى الأخلاقي. وهي مسالة طبيعية إذا انطلقنا من النتائج الموجودة بين أيدينا، فإذا كان التلميذ يعاني من ضعف في التربية داخل المدرسة ومن طرف الأسرة فما ذا بودنا أن نقول؟..هل ننتظر من البنت-أو الولد-الصغيرة أن تربي نفسها بدون أبسط عناية من الأمة والوالد والمدرسة والمحيط الإجتماعي؟؟.
إن قلة المراقبة من طرف المؤسسة التعليمة والمتابعة من قبل الأسرة هو ما يؤدي بالبنت أن تهوي في هاوية الردى..واااءسفاه...!!.

3- النظرة الدونية للعطاء الثقافي والعلمي لدى المرأة
فهناك يغيب الاهتمام بالعطاء العلمي والثقافي بشكل كبير لدى المرأة "الطينطانية" للأسف الشديد. ومن الملاحظ كذلك انعدام وجود مؤسسات ثقافية نسائية تعمل في الإطار النسوي.
وهنا أنتهز الفرصة فأدعوا الجمعيات النسوية الموريتانية على اختلافها إلى وضع خطط استراتيجية للاهتمام بالمقاطعات الداخلية، فلا ينبغي أن يظل دور هذه المؤسسات النسوية الرائدة محصورا في العاصمة نواكشوط وحسب.

4- غياب نماذج نسائية كمثال للنجاح والتميز في المنطقة
وهذا السبب يعتبر نتيجة طبيعة إذا انطلقنا من واقع المدينة الذي ينعدم فيه الدور النسوي. فانعدام التعليم والتثقيف والتربية هي أمور مجتمعة أو متفرقة لا تلد إلا الخمول والتخلف لدى الإنسان أيا كان امرأة أو رجلا.

 

ثالثا: علاج الظـــــاهرة

بعد معرفة الداء لا بد من محاولة تقديم الدواء أو العلاج لهذه الظاهرة التي بدأت تنتشر بشكل تدريجي في الأوساط الشبابية على اختلافها ، كي نحد من تتفشى هذه الظاهرة كي لا تهوي بالشباب في مهاوي الردى.
في السطور المالية سنقدم مجموعة من الحلول كعلاج لظاهرة التسرب المدرسي بمقاطعة الطينطان في النقاط التالية:

1- تغيير المنهج الدراسي:
أول علاج لهذه الظاهرة هو تغيير المنهج الدراسي المتبع في هذه الآونة من خلال الرفع من مستوى المادة المقدمة إلى منزلة تجعل التلميذ لا يجد فراغا في وقته وذاك ما يجعله يشعر بأهمية وقيمته ، ليظل الطالب في بحث دائم عن المعلومات، ولا يبقى فريسة للفراغ القاتل. فالوقت هو الحياة كما يقول البنا، وهو الجزء الذي إن ضاع من حياة الإنسان انقطع عن الدنيا والآخر. كما يقول بن القيم رحمه الله.

2- المتابعة الدقيقة من طرف الإدارة:
بدون المتابعة كما تقدم يصبح التلميذ أو الطالب خارج مربع الدراسة والتدريس، فإذا وجدت المتابعة الدقيقة من قبل الإدارة بوصفها المشرف الأول في الساحة المدرسية للتلميذ في الحضور على الأقل ومستوى النتائج والأخلاق، كان بإمكاننا الحد من تفشي الظاهرة.

3-وعي الأسرة بدورها في التربية:
فالأسرة هي المربي الأول والأخير للطفل الذي يحث الخطى نحو سن المراهقة. فعندما تعي الأسرة الدور المناط بها في العملية التربوية ، وتقدم النصح له فيصبح أمام مدرسة حقيقة لا يستطيع التلميذ الخروج عنها أو التخلي عن دروسها بأي حال من الأحوال.

4-تسليح الأولاد بالثقافة الإسلامية:
تسليح التلميذ والطالب بالثقافة الإسلامية وإطلاعه على خصائصها الربانية هو علاج نموذجي وحل من أهم الحلول التي تساعد الناس على الالتزام بنظام دينهم الحنيف.
فالثقافة الإسلامية"هي الصورة الحية للأمة" كما يقول عمر عودة  الخطيب في تعريفه للثقافة. فإذا فهمنا ذاك حقا واتخذنا من ثقافتنا سلاحا ضد الأمراض التي تفتك بمجتمعنا لن تستطيع ثقافات الآخرين أن تغزونا بما لا يتوافر وشريعتنا السمحاء.
هناك في مدينة الطينطان حكيت علينا قصص يندى لها الجبين ، وكنا دائما ما نسمع جعجعتها هنا وهناك ، لكن الملاحظ أننا لم نجد من قام وانبرى لها..لا الإدارة المدرسية ولا سلطة المقاطعة ولا الدولة ، من أجل إنقاذ شبابنا من مهاوي الردى وسفاسف الحياة.
هناك في مدينة الطينطان تباع رموز الوثنية ، ويقوم الشباب باستخدم هذه الرمور وإن كان الأكثر منهم يجهل حقيقتها ومغزاها ، ورغم ذلك يغيب دور الدولة والإدارة في تثقيف المواطن المسكين.

5-الاقناع بالدراسة وأهميتها:
هناك وسيلة علاجية أخرى تتمثل في العمل على إقناع الناس عامة بالتمدرس وإطلاعهم على أهميتها التعليم ، خصوصا في هذا الظرف الزمن الذي يتميز بالتكنولوجيا وما تقتضيه من معرفة شاملة لمختلف جوانب الحياة ، وأولها التعلم ، فبدون التعلم لا يمكن أن نصنع نهضة تكنولوجية مهما كان عدد السكان وتوسع الرقعة الجغرافية لأرضنا وحتى.

                         **************         

للذكرى وللتاريخ..
إن أي أمة ترنو للنهوض نحو المعالي وتهدف إلى تشييد صروح البناء لم تنطلق من ميدان العلم هي أمة لن تستطيع الحراك ولن تكون بوسعها أن تواكب عجلة الزمن الحياة ، أحرى أن تتسلق ذرى المعالي وتساير ركب الحضارات المتقدمة.
وإني نذير للجميع بين يدي هذا الواقع المر الذي يحطنا ويلفنا والذي اختلط فيه الحابل بالنابل وأصبحت فيه ساحات المدارس والجامعات بأرض المنارة والرباط تعج بالمجاهرين بكره التعلم واعتباره وقفا على شريحة المساكين والضعاف من بني آم.
إن العلم هو الشعار الجميل والميدان الأول الذي تنطلق منه قافلة البناء والتشييد ، وهو الطريق السالك لمن يريد الرقي إلى العلا والمكارم. وإن الجهل هو شعار القاعدين الخالفين الذين لا يحملون لواء بناء الأمم ولا يطمحون لرفع رايات المجد في سماء الشموخ والكبرياء..فالله الله يا أبناء شنقيط في أمتكم..فاحذروا أن تدنسوا وجهها الناضر واحذوا أن يغيبوا تاريخها المشرق ذات الصيت المجيد والتذكروا قول الشاعر:
العلم يرفع بيتا لا عماده له.....والجهل يهدم بيت العز والشرف
ولتعلمن أنتن "حقا" يا بنات شنقيط وخنساوات المنارة والرباط  قول الشاعر:
وإذا النساء نشأن في أمية......رضع الرجال جهالة وخمولا
فلنسر جميعا في ركب البناء ولو على رابية من الأشواك..يحدونا الأمل والعزم والإصرار.
فكل صعب على الشباب يهون....هكذا همة الشباب تكون

                    بقلم: شيخنا ولد البان