مراهقة تبحث عن الفهم

خميس, 02/19/2015 - 20:01

خلق الله تعالى الإنسان وشاء أن يمر في نموه بعدة مراحل لكل من هذه المراحل مميزاتها ومتطلباتها وهذه المراحل هي: الطفولة، الشباب، والشيخوخة.   إلا أن هناك مرحلة تزاوج بين المرحلتين الأوليين وتبدأ من السنالتاسعة وحتى الثانية والعشرين عند البعض وتعد منعطفا هاما في حياة الأشخاص، إذ تعتبر بداية أكبر تحول يشهده الإنسان على كافة الأصعدة وهي ما يعرف بمرحلة المراهقة، وليس غريبا أن توصف هذه المرحلة بصفة أكبر تحول في حياة الإنسان.المراهقة يحدث تحول على الصعيد الفسيولوجي و الهرموني كظهور العلامات المميزة لدى الجنسين، كما يحدث تحول كذلك على الصعيد النفسي والعقلي كالإحساس بضرورة الاستقلال عن الأهل وكسر القيود والتحرر وأحيانا التمركز حول الذات والتنكر للقيم والنظم والأعراف السائدة في المجتمع، ومن الطبيعي أن تكون لهذه التحولات الفسيولوجية والهرمونية والسيكولوجية بعض المظاهر والتجليات التي قد يفسرها بعض الآباء والمربين بالانحراف، وفي الحقيقة أن ما يحدث في هذه المرحلة ليس بالضرورة انحرافا كما يظنه البعض وإنما هو نتيجة طبيعية للتحولات والتراكمات التي ذكرنا آنفا.    فالطفل في السن ما بين الخامسة والتاسعة من عمره لا يعرف سوى قطعة من الحلوى وكوبا من الحليب وبعض الدمى وكرة للعب وهي كل ما يشغل باله وأبوين حنونين يغدوا كل منهما ويروح سعيا في تحقيق رغباته حسبما يظن وفجأة إذا به. وتحت ضغط نفسي ملح مصدره التحول الفسيولوجي المذكور يجد نفسه مضطرا لتغير فلسفته في الحياة وأسلوب معالجته لها فتتغير التطلعات ويزداد سقف المطالب. وهذه الحاجة الضاغطة والتحول الجذري والنفسي الذي يحدث للطفل هو ما يغيب عن أذهان الكثير من المربين أو على الأقل لم يصيبوا في تفسيره كسلوك طبيعي ناتج عن أسباب خارجة عن إرادة الطفل مما يحملهم على معاملته معاملة لا تناسب الواقع المتناقض الذي يعيشه؛ كالنبذ والشتم وأحيانا الضرب فيتسرب الإحباط إلى نفسه وينقطع الأمل لديه ، لتصبح نظرته للحياة _التي كان يعيشها بالأمس بروح ملأها الأمل والسعادة _نظرة سوداوية لا تكشف إلا عن الجوانب المظلمة في الحياة والتي تمت برمجة عقله الباطن عليها من خلال رسائل سلبية ابتعثها الوالدين والأقارب كأنت راسب، أنت متبرجة، أنت لا تصلي...   فيفقد الطفل ذاته بعد أن أخفق في إثبات وجوده وجدارته بين ذويه، ويبحث عنها خارج محيطه فيجدها تارة بين أقران ينصتون له إذا تحدث ويقيمون له وزنا ويقرون بشرعية مطالبه بل يسعون في تلبيتها، وتارة في عادة سيئة يمارسها كالتدخين أو مشاهدة الأفلام الخليعة أو سماع الأغاني الماجنة أو الاقتداء بنجم أجنبي ما أو لاعب رياضي فيرتدي ثيابه ويقلع تقليعاته ناهيك عن مشيته وأسلوبه مما يحمله على التنكر لأهله ونظمه وأعرافه وسحب الثقة منهم ومنحها لهؤلاء الأقران والذي قد يكونوا للأسف قرناء سوء  ومن هنا يحصل ما يسمى بالعدوى الفكرية والتي قد ينتج عنها سلوك وممارسات لا يرغبها المجتمع وتتنافى مع الخط العام للعاداته وقيمه وحتى دينه وهو ما نسميه بالسلوك المنحرف. وهكذا ينبغي أن نفهم أن الانحراف لا يأتي بالضرورة مقرونا بحلول سن المراهقة وإنما هو نتيجة لسوء فهمنا لها وعجزنا عن تصورها بشكل يضمن التعامل المطلوب واللائق مع من يعيشونها والحكمة في التصرف أثناء إدارتها وهو ما نجده جليا في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وفقد صحبه أنس بن مالك وهو في السن العاشرة من عمره ولك أن تتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له لم فعلت كذا قط كما يروي مالك نفسه ، ونجده يقول لأبى مسعود وهو يضرب غلامه «اعلم أبى مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام قال: لقد صار حرا لله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار»، وليس بعيدا عن ذلك حمله لعائشة رضي الله عنها على كتفيه تتسلى بلعب الأحباش في المسجد وبالرغم من حب النبي صلى الله عليه وسلم لها بشكل خاص، إلا أن موقفه هذا يأتي في إطار اعترافه بهذه المرحلة، أضف إلى ذلك أنه كان يقول صلى الله عليه وسلم لطفل صغير{ يأبى عمير ما فعل النغير}.   وهل هناك أدل من محافظة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على نفسية أنس واعترافه بحق عائشة المشروع في اللعب، واحترامه لحرية واختيار أبى عمير في لعبه، على ضرورة  ــ إن لم نقل وجوب ــ  الاعتراف بهذه المرحلة ومتطلباتها والتعامل مع أصحابها بطريقة دبلوماسية أكثر، وليست هذه دعوة لإطلاق الحبل على الغارب للميوعيين والمنحرفين بقدر ما هي دعوة لتهذيبهم وتنوير الطريق لهم لأنهم في أمس الحاجة إلى ذلك ولكن بأساليب التربية السليمة والتي تقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ولكن لعله عن غير قصد. 

                                                      بقلم: سعداني بنت خيطور