تأملات في ابتغاء السعادة

خميس, 02/19/2015 - 19:44

عاما سعيدا يملؤه الإنجاز والعطاء، وتنزاح فيه الهموم وتترقرق فيه البسمات..
ودامت أيامكم كلها سعي للأفضل والأحسن، سعي يرتق كل هوة بين طموحكم والواقع، بين الحاضر والمستقبل، بين الآن والغد..
إن الساعات والأيام هي أهم رصيد للوصول لكل هدف والتطوير من أي واقع، كما قد تكون السبب في خواء أي كيان و ضياع أي جهد إن لم تستغل وتوجه كما ينبغي..

وتبعا لعمق فهمنا وإدراكنا لقيمة اللحظات يتنوع تعاملنا معها، خاصة في بدايات المواسم حين يكثر الحديث عن التخطيط والاستعداد للمستقبل، وتتعدد الأبحاث حول رسم الأهداف وطرق الإنجاز وإعداد الجداول الزمنية..
لا يهم كثيرا إن كنت مولعا برسم الخطط أو مشغولا ومتكاسلا عن ذلك، أو حتى عن التفكير في أي أمر مخطط! لكن من المهم قطعا أن يسكنك هدف وأن ترعى حلما وأن تنتظر إنجازا، فهذا يؤسس لديك "بوصلة" يمكن أن تساعدك مستقبلا بغض النظر عن "الخريطة" أو غيابها..
من المهم كذلك أن نبتعد دائما عن "التآكل الزمني والحَرج الوقتي" كما يصفه الرائع علي محمد أبو الحسن، وهو ما يتطلب أن نتعلم التركيز على ما نريد بدلا من تعميم ما لا نريد، وأن نبحث عن مكامن السعادة في كل لحظة وآن، وأن ندرك قيمة العمر وأهميته لنلونه بألوان الحب والسلام والعطاء..

متعة التركيز..
دعونا نتأمل للحظات بعض الماضي:
أو تذكرون لحظات مثل هذه قبل حولٍ من الزمن؟
هل تتذكر أهدافك، أفكارك، طموحاتك، أحلامك...؟
هل تتذكر..؟
فكر قليلا.. وستجد ذهنك يسارع لعرض ما حققته وما حصلت عليه ونجحت في الوصول إليه، وربما تتضايق وتجد ملامحك تتغير وأنت تذكر أحلاما لم تتحقق وأهدافا غمرها الواقع وأفكارا صارت غريبة عليك..
وحتما ستميل لتذكر النتائج أكثر من انتباهك للطرق والوسائل التي أوصلتك لها! هذا شيء طبيعي ومعتاد...
إن من لطف الله بك أن العقل الذي حباك به مجبول على الإنجاز والتميز ويمقت أي فشل.. ولذا فهو يتذكر ما يناقض طبيعته أكثر من ما يوافقها، إن لم يتعود على غير ذلك..
الآن.. حاول أن تتذكر من جديد وستدرك كمّ المواقف السعيدة والنتائج الزاهرة التي وفقك الله لها في السنة الماضية، وعدد الخسائر والصدمات التي نحاها الله عنك ووقاك أن تكون لها في سبيل..
ولا بأس أن تحاول في قابل الأيام فهم "الآن" واستنطاق اللحظات السعيدة والانتباه لها، فالتركيز مدعاة للتعميم على بقية الجوانب في حياتك ومساعيك بإذن الله..
من المهم كذلك أن تعبر عن سعادتك أقوالا وأفعالا لتنشر البهجة والانتعاش فيما حولك ومن معك، فالتعبير وسيلة لتعميق الإحساس باللحظات وأداة لشكرها وتذكرها دائما، والحمد لله تملأ الميزان...

الفراغ والآن..
ولأن التركيز نابع من سلاسة التفكير وتوجيهه نحو حالة أو حدث معين فمن المهم الانتباه للذهن وصفائه في كل حال وآن، فالفكرة هي نواة أي تصرف والانتباه لها خطوة نحو صيد الخواطر الذي هو هبة من الله، خاصة عندما ندرك أن لحظة التحول الآنية غير محايدة في التأثير، وما نصِفه الآن بالمستقبل هو ماضي في جزء منه ، كما أن الماضي يستمر الآن في الحاضر...
لك لحظة الفكرة الخاطفة، وعليك دقات القلب تحسَب، ووقت التصويب والاختيار ينتمي حتما لزمن..
وأوقات الراحة أو"الفراغ" ليست مفسدة دائما كما يراها أبو العتاهية في حكمته، بل إن الفراغ فرصة حقيقية كالصحة والشباب، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باغتنامها كما في حديث ابن عباس..
كما أن إدراك قيمة الفراغ أمر أساسي من أجل إدراك قيمة توظيفه وملئه بما يؤسس لبقية الوقت، باعتباره نمو حر للإرادة ومنطلق لإنتاج الحياة كما يعرّفه علماء السلوك، وهو ما ينبغي أن يؤدي إلى دراسة الاتجاهات المستقبلية لسلوك الفراغ وتوجيهها للأفضل بدلا من مكافحته، فالفراغ وقت وقيمة أساسية تتأثر بها بقية الأوقات، ومخزون تتم الاستفادة منه في الانشغال وضغط العمل وتعدد المهام..

ولنفسك حق..
إن استغلال العمر من "الفجر" إلى "الليل" والرفع من قيمة أي جزء فيه، وإدارك لحظات السعادة والانتعاش وتعميمها يجعل العمر ثريا ويزيد لحظات العطاء والإنجاز فيه بإذن الله، لذا من المهم في كل وقت أن تكون طبيعيا، فليس هناك "أي شيء أفضل من شخص ينشر الإنسانية البسيطة" كما عبّر مرة الكاتب: ديباك تشوبرا..
بعض الأشياء البسيطة المتجاوزة بإمكانها أن تعيد شيئا من الصفاء لوقتك وعقلك وحياتك اليومية..
فمثلا... من الضروري للغاية أن تركز هذا العام على إيجاد وقت كاف للنوم بصحة، وأن نتعلم النوم الذي يريح البدن ويعطي الطاقة والنشاط، فما كل نوم راحة ولا في كل يقظة نشاط..
حضور الماء في أغلب شرابك مهم لصحة جسدك وطاقته ومكافحة كثير من الأمراض، كما يجعلك أكثر تعرضا وتركيزا على الراحة النفسية والذبذبات الايجابية في الكون من حولك..
والمطالعة، المطالعة.. فخير جليس في الزمان كتاب، ورغم أن مساهمة عالمنا العربي في الإنتاج العالمي من الكتب لا تتعدى 1.1% !! إلا أن هناك كتبا كثيرة لم نقرأها مع أنها تستحق ذلك..
وإذا ضحكت فاضحك من أعماقك وبصدق وابتغ في ذلك الأجر وإدخال السرور على المسلمين، واحذر من الإطناب... فأنت من أمة منكوبة ووطن بائس ومجتمع لم يدلف بعد لبوابة الرقي والازدهار..

كل هذا عن العقل والجسد.. لكن روحك هي مربط الفرس فاذكرها في كل آن وأنعشها بالسجود والتلاوة ومجالسة الأخيار لتكتمل لك السعادة..
وادلف إلى قابل الأيام بوعي وتركيز وبحث عن مكامن السعادة وتعميمها والتعبير عنها، واملأ فراغك بالخير وانشر البهجة في كل حين، واعمل لسعادتك في الدنيا والآخرة ريثما نلتقي في مقال قادم بإذن الله تعالى، وكل عام وأنتم بخير وإلى الله أقرب وأحب..

 

محمد الأمين أحمد سالم
@lamin1429