الدكتورة بنت يمهلو: لا عوائق تحول دون طلب العلم الشرعي

أربعاء, 02/18/2015 - 23:21

سلكت سبيل العلم والتحصيل المعرفي من بابه الأعظم الأجل (العلم الشرعي) الذي بات حاضرا في البيت الشنقيطي، مقدسا في حياته، متداولا بين أفراده، وليس غريبا ولا جديدا على المرأة الشنقيطية أن تدلف إلى هذا المجال، غير أن الجديد هو

أن تجاهر به، وتبحث فيه، وتمتهن تدريسه في المؤسسات التربوية شأن ضيفتنا الأستاذة الدكتورة النانه بنت يمهلو أستاذة  فقه الأصول بالمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية التي خرجت بهذا العلم إلى المؤسسة بعد أن كان تعاطي المرأة معه محصورا في البيوت، فضربت بذلك مثالا أسمى لنظيراتها من الجيل النسائي اللاتي ألجمتهن العادات الاجتماعية، وأقعدهن الخجل عن نشر هذا العلم والسعي للتخصص فيه، موقع "الفتاة" حظي بقابلة مع الدكتورة النانه فأجرى معها حوارا لامس العديد من الجوانب المهمة في مسيرتها، والقضايا الجوهرية المتعلقة بالمرأة في الساحات العلمية.

 

 

نص المقابلة:

 

 

الفتاة:  بداية نريد منكم تقديم لمحة للقارئ عن مسيرتكم العلمية (الاسم ــ الميلاد ــ النشأة ــ المسار الدراسي ــ الشهادات)

د. بنت يمهلو:  أدعى النانه بنت يمهلو بن محمد فاضل من مواليد 1979م  بمدينة نواكشوط،  نشأت في الحوض الشرقي بقرية بوخزامه التابعة لمقاطعة النعمة المركزية أما عن مساري الدراسي ينقسم مساري التعليمي إلى قسمين: مسار محظري، ومساري نظامي، فبالنسبة للمسار المحظري التحقت بمحظرة  يحي بن الشيخ لتحفيظ القرآن الكريم في قرية  بوخزامه فحفظت القرآن في وقت مبكر، ثم درست في محظرة سداتي بن ببانه  كتاب:" المحتوي الجامع في رسم الصحابة وضبط التابع" للشيخ الطالب عبد الله بن الشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي  رحمه الله  تعالى،  ومختصري الأخضري وابن عاشر، كما درست على عبدات بن أحمد نظم الآجرومية المعروف بــ "عبيد ربه"،  وبعد التحاقي بالمعهد وسكني في كرفور  اغتنمت فرصة قرب محظرة "التيسير والنصر للقرآت السبع والعشر" للشيخ صداف بن البشير ـــــ رحمه الله تعالى ـــ فدرست عليه كتاب "كشف العمى والرين عن ناظري مصحف ذي النورين"  للشيخ محمد العاقب بن ميابى الجكني ـرحمه الله تعالى، كما درست عليه مقدمة ابن الجزري في التجويد، وفي العطلة الصيفية كنت أغتنم فرصة العودة إلى الحوض الشرقي فألتحق بمحظرة الإمام محمد الأمين بن الطالب يوسف إمام مسجد العدالة بالنعمة وشيخ محظرتها،  فدرست عليه في إحدى العطل الصيفية لامية الأفعال في التصريف لابن مالك، وفي عطلة أخرى درست عليه نظم "مضيء الاختلاف  في ما يختص به قالون عن ورش" ، إضافة إلى كتاب "الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع" لابن بري. أما المسار النظامي فقد شاءت الأقدار أن أعود إلى نواكشوط ـ بعد وفاة والدتي رحمها الله  تعالى ـ وبعد إلحاح من بعض أقاربي بضرورة  الالتحاق بالدراسة  النظامية قررت الترشح للباكالوريا(شعبة الآداب الأصلية)، وكان أقاربي الذين شجعوني على الدراسة قد ساعدوني بتوفير برنامج الباكالوريا مع تفضل أحدهم بتدريسي الربع الأول من ألفية ابن مالك في النحو، ومساعدتي في مراجعة المواد التي كنت أحتاج ـ في البداية ـ  إلى من يساعدني في مراجعتها، وقد حصلت بفضل الله وتوفيقه ثم بمساعدة أولئك الأقارب على الباكلوريا في الدورة الأولى  في العام الدراسي 97ـ98م. وفي العام الدراسي 98ــ 99 سجلت في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، فحصلت على الرتبة الثانية، وفي السنوات الثانية والثالثة والرابعة حصلت على الدرجة الأولى مما خولني الحصول إلى منحة دراسية إلى المغرب في سنة 2002م، سجلت في وحدة"الفتوى والمجتمع ومقاصد الشريعة" شعبة الدراسات الإسلامية، كلية الآداب بجامعة مولاي إسماعيل في  مكناس، فحصلت على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العام الدراسي 2004م، وسجلت للدكتوراه في وحدة "الاجتهاد المقاصدي التاريخ والمنهج" بنفس الجامعة، بتايخ 2004موضوعا بعنوان "أوجه التعارض وطرق الجمع عند الأصوليين نماذج تطبيقية" نوقش بتاريخ6/2010. أما عن شهاداتي فقد حصلت على الباكلوريا في الآداب الأصلية، والإجازة في الدراسات الإسلامية، ثم دبلوم الدراسات العليا المعمقة في أصول الفقه، بالإضافة  بالإضافة إلى الدكتوراه في أصول الفقه.

الفتاة:  هل تخصص العلم الشرعي هو تخصص كباقي التخصصات التي تدرس في العالم الإسلامي وتتنوع بتنوع حاجات سوق العمل، أم أنه تخصص مختلف وماهي مميزاته؟

د. بنت يمهلو:  تخصص العلم الشرعي ــ في نظري ـ ليس كباقي التخصصات لأن التخصص في العلوم  الشرعية يجب أن يكون بهدف تعلم شرع الله عز وجل حتى يعبد المسلم الله سبحانه وتعالى ويدعوا إليه على بصيرة، أما الوظيفة فينبغي أن يكون طلبها بالنسبة للمتخصص في العلوم الشرعية بالتبع لا بالقصد الأول، أي أن طلب العلم الشرعي يجب أن تكون النية فيه خالصة لوجه الله عز وجل لا لهدف دنيوي أصلا، ذلك أن تعلمه عبادة، وتعليمه عبادة كذلك،  والعبادة لا تقبل إلا إذا كانت خالصة لوجه الله عز وجل.

الفتاة:  قررت التخصص في المجال الشرعي واخترت موضوع "أوجه التعارض وطرق الجمع عند الأصوليين" لرسالتك لماذا اخترت هذا الموضوع، وماهي أبرز الصعوبات والعراقيل التي واجهتك في التوفيق بين تلك النماذج التطبيقية المتعارضة ؟

د. بنت يمهلو:  يرجع اختياري لموضوع أوجه التعارض لأسباب مختلفة منها: أن الناظر في الشريعة الإسلامية يقف على بعض الأدلة التي يوهم ظاهرها التعارض، ويجد الآية الكريمة تقول:( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) فالآية الكريمة تنفي التعارض عن الأدلة الشرعية، إذن لابد أن هناك أسبابا لهذا التعارض، ولابد أن تكون هناك طرق لدفعه، فكان هذا  دافعا للبحث في مجال التعارض، ثم إن البحث في الموضوع يطلع الباحث على الجهود التي بذلها العلماء في بيان حقيقة التعارض بين الأدلة،  والفرق بينه وبين التناقض عند المناطقة، وأركان وشروط التعارض، وأوجه التعارض الذي يكون بين الأدلة، واختلاف مسالك العلماء  في دفعه، الأمر الذي يمكن المطلع على تلك الجهود من معرفة أدلة أصحاب المذاهب الفقهية. ومن الدوافع التي دفعتني للبحث في الموضوع : أن البحث فيه يكسب الباحث القدرة على التعامل مع الأدلة التي قد يوهم ظاهرها التعارض، نظرا لاطلاعه الواسع على مناهج دفع التعارض التي وضعها العلماء. وأخيرا إن البحث في أوجه التعارض وطرق الجمع يوصل الباحث فيه إلى نتيجة مفادها أنه لا يوجد تعارض بين الأدلة الشرعية، وأن الموضوع يتيح آفاقا علمية في المستقبل، لاسيما في الجانب التطبيقي منه حيث سيوفر للباحث الفرصة أكثر لاكتشاف مناهج العلماء ومسالكهم في التعاطي مع النصوص الشرعية في مجال الفقه وأصوله مما يساعد على إيجاد حلول للقضايا الفقهية المعاصرة وللنوازل التي قد تحصل في المستقبل من خلال  تطبيق منهج الجمع والترجيح عليها. أما الصعوبات التي اعترضتني أثناء إعداد البحث فيمكن تقسيمها إلى قسمين: أولا: صعوبات في معالجة الموضوع من الناحية النظرية، حيث سلكت طريقة تصنيف التعريفات الأصولية للتعارض وهذا ليس بالأمر الهين حيث تطلب الأمر تفكيك كل مجموعة لبيان ما استندت إليه هذه التعريفات من جهة وبيان الجامع منها والمانع من الذي تخلف فيه الشرطان أو أحدهما، وكان التطرق لموضوع حقيقة التعارض الواقع بين الأدلة الشرعية، والفرق بينه وبين التناقض المنطقي يمثل تحديا كبيرا ، تمثل أساسا في صعوبة معالجة الموضوع نظرا للآراء الأصولية المتضاربة، هذا بالإضافة إلى صعوبة جمع آراء العلماء في ترتيب طرق دفع التعارض هل يبدأ  بالبحث عن الجمع والتوفيق بين الأدلة الشرعية التي يوهم ظاهرها التعارض؟ أم أن الخطوة الأولى يجب أن تكون البحث عن معرفة تاريخ النصين المتعارضين فيحكم على المتقدم بالنسخ فيلغى ويعمل بالمتأخر ؟ ـ ثانيا: صعوبات في معالجة النماذج التطبيقية، فبما أن طرق الجمع مكون أساسي من مكونات العنوان كان الجهد منصبا في هذه  النقطة على معرفة أركان الجمع وشروطه، وبيان مسالك العلماء فيه من خلال عرض نماذج تبين وجه التعارض بين الأدلة ،ومسالك العلماء في التعامل معه، ومذاهبهم الفقهية في المسألة المدروسة، ثم بيان أدلتهم و ترجيح ما تبين رجحانه.

الفتاة: ماهي نسبة العالمات والفقيهات الموريتانيات مقارنة بنظرائهم الرجال في البلد عبر تاريخه المحضري والعلمي؟

د. بنت يمهلو:  لا يمكنني إعطاء نسبة معينة لأنني لم أقف على دراسة تكشف عن عدد العالمات من النساء حتى أقوم بالمقارنة، ولكن ما أستطيع الإجابة به على هذا السؤال هو أن النساء في بلاد شنقيط كان لهن حضور في المجالات العلمية والثقافية المختلفة، ولعل وقوف الكثير من النساء وراء تعليم أبنائهن الذين صاروا علماء أفذاذا ما يعطى صورة على أن نسبة العالمات كانت نسبة معتبرة، فقلما يطالع القارئ سيرة علم من أعلام البلاد إلا ووجد أن أمه أو أخته كان لها دور كبير في تحصيله العلمي، فهذا في نظري يبرز المكانة العلمية التي كانت تحتلها نساء كثيرات من نساء بلاد شنقيط.

الفتاة:  في بلدنا يندر من المحاضر ما يقبل النساء كمتخصصات فأين تذهب الفتاة التي ترغب في التخصص في العلم الشرعي قبل مرحلة الجامعة؟

د. بنت يمهلو:  في نظري ليست كل المحاظر ترفض تدريس النساء، فبعضها يرفض ولعل ذلك يرجع ـ في نظري ـ إلى خشية شيوخ هذه المحاظر من الاختلاط بين الجنسين أثناء الدراسة خصوصا أن المحظرة في الغالب لا تتسع بحيث يكون هناك جانب خاص بالنساء هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بعض الشيوخ قد لا يرى جواز تدريس الأجنبيات، وهناك مشايخ كثيرون يقبلون تدريس النساء في بيوتهم، وعليه فعلى الفتاة إذا أرادت الدراسة المحظرية أن تتصل بهؤلاء الشيوخ وتدرس عليهم ولا تتعلل بأن المحظرة لا تقبل المرأة، فدراستها على الشيخ أو على أحد تلامذته المتميزين  يعتبر التحاقا بتلك المحظرة. وأذكر هنا بنموذجين للتدليل على أن المرأة إذا أصرت على طلب العلم فلا يمكن أن يعترض سبيلها معترض شأنها في ذلك شأن الرجل. في بعض المناطق الشرقية هناك امرأتان إحداهما اشتهرت بالقرآن وتدريسه للرجال فحفظ عليها القرآن رجال كثيرون، كانت هذه المرأة تأتي بالحطب لتقرأ عليه كما يفعل الرجال، وكانت لا تترك فرصة للحصول على شرح نص من شيخ إلا واغتنمتها حتى قيل ــــ ولعله من باب المبالغة ـــ أنها كانت تتبع شيوخ العلم إن خرجوا إلى الخلاء إن لم تجد من وقتهم غير ذلك فحصلت على رصيد علمي كبير وكان شيخها يعتبرها مصحفا، لذا لم يقبل أن يتزوجها من لم يكن حافظا لكتاب الله عز وجل، نشأت هذه المرأة في المناطق الواقعة جنوب مدينة النعمة، أما الأخرى فقد عاشت في المنطقة الحدودية مع جمهورية مالي وقد حدثني بعض أقاربها أنها كانت مجدة بدرجة تجعلها تسلك الطريق ذاته الذي  سلكته المرأة قبلها، وأن الناس كانوا يخشون عليها عاقبة ذلك الخروج، فكان والدها يرد عليهم دعوا عنكم ابنتي، فحفظها الله تعالى ويسر لها العلم حتى أصبحت عالمة.

الفتاة:  وعيتم أهمية تعلم العلم الشرعي والأخذ من الميراث النبوي فهل تعلم هذا العلم والحفاظ على ذلك الميراث واجب على الرجال، وعلينا معاشر النساء نافلة! أم أنه واجب الجميع؟

د. بنت يمهلو:  إن طلب العلم واجب شرعي على الرجال والنساء على حد سواء، فكما أن الخطاب بالإيمان وتطبيق شرائع الإسلام موجه إليهما معا فكذلك طلب العلم الشرعي الذي هو الضمانة الحقيقية لعبادة الله وفق ما شرع، وتطبيق أوامره واجتناب نواهيه واجب تعلمه على المرأة كما هو واجب على الرجل، والناظر إلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يدرك أن طلب العلم فريضة على الرجال والنساء وإلا لو كان الأمر على خلاف ذلك لما استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لوافدة النساء أسماء بنت يزيد بالسكن حين جاءته فقالت : يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا منك يوما، فاستجاب صلوات الله وسلامه عليه، وحدد لها يوما وفي رواية أخرجها النسائي في السنن الكبرى عن أبي سعيد أن امرأة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل لنا  منك يوما قال يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا فأتاهن وعلمهن السنة ..."" والأمر لا يحتاج إلى كبير استدلال فهو من الأمور المعلومة بالبديهة.

الفتاة:  يقول الله تعالى: { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} انطلاقا من هذا الأمر الإلهي ماهي الرسالة العلمية والدعوية للمرأة المسلمة؟

د. بنت يمهلو:  الجواب على هذا السؤال يستدعي أن ننظر إلى امتثال نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر الرباني، فقد كن عالمات، تلقين العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، وعلمنه للصحابة والتابعين، فقد كانوا يرجعون إلى روايتهن لسنة رسول الله صلى الله  عليه وسلم القولية والفعلية، بل إن روايتهن لأحوال النبي صلى الله عليه وسلم تقدم على روايات أجلاء الصحابة إذا تعارضت معها، وانطلاقا من الأمر الرباني في الآية الكريمة وغيرها من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية،  وتأسيا بأمهات المؤمنين فإن الرسالة العلمية والدعوية للمرأة المسلمة هي: طلب العلم الشرعي حتى تستطيع المرأة المسلمة عبادة ربها كما أمرها، وحتى تستطيع الدعوة إلى دينها على  بصيرة نسأل الله سبحانه أن ينفعنا بما علمنا ويزيدنا علما ويوفقنا لبذل قصارى الجهد في الدعوة لديننا الحنيف، وأن يرزقنا الإخلاص والصدق في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الفتاة:  كيف تقيمون العوائق الاجتماعية والثقافية التي تحول بين المرأة وما يؤمل منها في المجال العلمي عامة والشرعي خاصة؟

د. بنت يمهلو:  أعتقد أن العوائق الاجتماعية والثقافية لم تعد عوائق مقنعة تحول بين المرأة وطلب العلم بصفة عامة والعلم الشرعي خاصة، ففي المجال الشرعي مثلا شكل السماح للمرأة بولوج المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية إزالة عائق كبير تمثل في محدودية الوسائل المتاحة أمام المرأة للتفقه في دينها، فإذا كان بعض النساء قد نشأن في محيط علمي مكنهن من التعلم، فإن نساء أخريات لم يجدن  مثل هذا المحيط، فبقين محرومات من طلب العلم، وبالسماح للمرأة بالدراسة فيه تمكن الكثير من النساء من طلب العلم الشرعي عن طريق الالتحاق به. أما فيما يخص المجال العلمي الأوسع فإن انتشار الوعي بأهمية تعليم النساء وسماح المحيط للمرأة بالتعلم ــــ حتى ولو تطلب الأمر سفرها خارج البلدـــــ  يعد كسرا لعائق كبير حال بين المرأة ومواصلة دراستها، فإذا نظرنا إلى الماضي القريب نجد أن المجتمع كان ينظر إلى سفر المرأة للدراسة باعتباره أمرا منكرا. أما الآن فقد أصبحت المسألة أمرا عاديا، وهذا لا يعني أنني أدعوا إلى سفر المرأة للتعلم بدون التزام أية ضوابط شرعية ـــ معاذ الله ـــ  بل  يجب مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك. 

الفتاة :  ما هو تفسيركم لحالات الخجل والإعراض التي يعيشها الحقل النسوي في سوح العلوم الشرعية، رغم امتلاك الكثيرات من نسائنا ناصية هذه العلوم، غير أن هذا الامتلاك يبقى حديثا في البيوت وبين الزميلات دون أن تترجمه صواحباته تأليفا أو تدريسا في أغلب الأحيان؟

د. بنت يمهلو :  هذا شيء صحيح فالعوائق التي يعيشها الحقل النسوي لا ترجع أبدا إلى نقص المعلومات بقدر ما ترجع إلى الخجل، هذا الخجل ــ في نظري ــ  يرجع إلى أمرين: أحدهما فقد المرأة الشنقيطية  ــ التي حصلت على رصيد معرفي في العلوم الشرعية ــ  الثقة في نفسها من جهة، مما يجعلها لا تثق في قدرتها على التدريس أو التأليف من جهة أخرى. وثانيهما يرجع إلى نظرة بعض الرجال إلى المرأة نظرة دونية على اعتبار أنها وإن تعلمت  لن تصل أبدا إلى ما وصل إليه الرجل، لذا فلا يحق لها أن تطلب كل ما يطلبه، فعليها أن تكتفي بالقليل إن لم ترض أن تكون قعيدة البيت امتثالا للمقولة الموضوعة "المرأة من بيتها إلى قبرها"، وهذا ما يسهم في خنوع المرأة وخضوعها للواقع، على اعتبار أن محاولتها المساهمة في خدمة العلوم الشرعية تأليفا أو تدريسا قد يسلط عليها الأضواء مما يجعلها عرضة للانتقاد بل ربما إلى الازدراء أحيانا أخرى، لهذا نجد الكثير من النساء يعتزلن هذه الميادين، تفاديا لهذه الإكراهات وحبا للسلامة، ولو علمت المرأة أن كل من ألف فقد استهدف،" فقلما يخلص مصنف من الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات" ومن نصب نفسه للتدريس سيتعرض للانتقاد ولن يحصل على رضى الناس، لأن رضى الناس غاية لا تدرك.

الفتاة :  في نظركم ما هي الرسالة التي يراد من الجمعيات الثقافية في البلد تأديتها، وما هي الآليات والطرق المناسبة، بل الأكثر جدوائية في إيصالها؟

د. بنت يمهلو :  على الجمعيات الثقافية في البلد أن تتحمل رسالة عظيمة تتمثل في تشجيع المرأة على اقتحام ميادين العلم والثقافة، وأن تسعى إلى إقناع المؤهلات من النساء على ضرورة المساهمة الفعالة في تعليم وتربية وتوجيه المجتمع بصفة عامة، والمرأة خاصة بكل الوسائل، خصوصا في مجالي التأليف والتدريس، وأن يكون التأليف شاملا لكل المجالات العلمية، والدعوية، والتربوية ... أما عن الآليات والطرق  فهي كثيرة ومتعددة، منها:ـ ـ تذكير النساء بواجبهن الشرعي حيال دين الله عز وجل، ودورهن المحوري في المجتمع، ولعل أهم الآليات وأكثرها جدوائية في ــ نظري ــ  قيام الجمعيات الثقافية في البلد بتنظيم دورات وندوات يدعى لها أصحاب الاختصاصات المختلفة من علماء ودعاة، وخبراء، مع استمرار هذه الجمعيات في أنشطتها الحالية وتطويرها فلا شك أنها قد أفادت النساء، لكنها تفيدهن أكثر إن تمكنت من إزاحة الخجل وعدم الفعالية التي يصاب بها الكثير من النساء. والله تعالى أعلم. والسلام عليكن ورحمة الله تعالى وبركاته واستسمحكن  في تقصيري اتجاه جمعيتكن الرائدة، أرجو من الله العلي أن يستعملني وإياكن في طاعته، وأن يجعلنا جميعا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إني من المسلمين، آمين.