خلق فسوى

خميس, 02/19/2015 - 19:13

نشأته وخالقه يدبر الأمر فيه كيف يشاء، رفع السماء بغير عمد ترونهوألقى في الأرض رواسي أن تميد بساكنيها، وقال للخلق كن فكان، تلك هي الحكمة العجيبة والقدرة القادرة التي تتحكم في خلق هذا الكون في أروع صورها تدبير محكم، وخلق متقن في

ستة أيام، ولو شاء الخالق المقتدر لجعله يوما واحدا أو ساعة من نهار بل وفي لمحة بصر، ولكنها حكمة التدرج اقتضت ذلك في خطاب عجيب عبر كلمات زكية نطق بها القرآن الكريم مقيما الحجة على من أنكر وتعالى وجحد

 {{ أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم }}. حقا إنه تقدير عزيز عليم، وقد اتفق جمهور المفسرين على أن أيام خلق السماوات والأرض الستة هي ست مراحل أو أحداث أو أطوار لا يعلم مداها إلا الله تعالى، وأنها لا يمكن أن تكون من أيام الأرض، لأن الأرض لم تكن قد خلقت بعد، ولذلك لم توصف أيام خلق السماوات والأرض بالوصف القرآني "مما تعدون" الذي جاء في آيات أخرى عديدة بمعنى اليوم الأرضي.

ولا تتوقف صور الخلق البديع عند هذا الحد، فهناك صور ومظاهر إعجازية أخرى من الخلق الإلهي المحكم تدل على عظمة الخالق وتمام علمه وقدرته جل جلاله، فلئن كان العلم الحديث قد استطاع أن يطور أجهزة ذات تركيب يبهر العقول، ويحير الألباب، فإن هناك جهازا من صنع رباني شكل أكبر المعجزات ، فكان موضوع  الحديث لزمن طويل وسيبقى وإلى الأبد، فمنذ أربعة عشر قرنا نزل قول الله تعالى :  {ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة وخلقنا العلقة مضغة وخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}.

ورغم تسليم المسلمين وإيمانهم الراسخ واقتناعهم بما لا يدع مجالا للشك بما جاء في القرآن الكريم، إلا أن غيرهم لم يجد بدا من أن يقبل الأمر بعدما بدأ العلم الحديث يدرك كنه المعجزة ويسبر أغوارها، حيث يوافق الأسبوع الثالث من علم الأجنة الحديث تكون النطفة التي هي موجودة في قرار مكين مهيئ لكل التجهيزات والإمدادات الضرورية لنمو الجنين في تلك المرحلة التي تتضخم فيها بطانة الرحم وتحتقن بالأوعية الدموية كمهد لحياة قادمة.

{ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة}، وقد تبين أن الجنين في الأشهر الأولى يكون على شكل كتلة من اللحم يبدو عليها أثر المضغ، أما الشهر الرابع في علم الأجنة الحديث بداية تحول المضغة إلى العظام التي ستكون الجسم البشري لاحقا.

غير أن الأروع من هذا كله هو كون تلك الخلية الثنائية التي هي بداية تشكل الإنسان كانت تشق طريقها إلى بر الأمان كما لا يمكن لأعقل كائن في الوجود أن يقوم به فمن الذي علمها ومن الذي وجهها وكيف ترى في تلك الظلمات الثلاث الطريق السليم الذي لو حادت عنه لكان ذلك نهاية المطاف.

إن وجه الإعجاز في هذا الخلق البديع يكمن في التناسق العجيب  بين تلك الأدوار والانسجام التام بين تلك الأعضاء التي تكون الجسم البشري، ولعلنا إذا ما تتبعنا مختلف المراحل أولا بأول أدركنا أن هناك قدرة خارقة ترعى ذلك كله هي كما قال الفيلسوف قديما وحدها القادرة على أن تمسك هذا الكون العجيب وتسهر على تدبيره فسبحان الذي خلق فسوى وقدر فهدى.